رقية بنت أحمد الدحيّة الزهراني


التي سكبت الحنان في دار عوضة… وسكنت القلوب قبل أن تسكن الدار



بعد رحيل والدتي الغالية، جمعة بنت مسفر الدحيّة الزهراني، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته،

رأى أخوالي، وفي مقدمتهم خالي أحمد، أن يحتضنوا حزن والدي، ويجبروا كسر قلبه،

فكان أن تمّ التوافق على زواج والدي من خالتي رقية، تلك النبيلة التي رافقته إلى دار عوضة،

ولنا أصبحت أمًّا بقدر القدر، ورحمةً بعد الفقد.


جاءت من مكة المكرمة، مدينة النور والمعرفة، وسكنت في دار عوضة، وهي تحمل في قلبها نورًا من الحنان، ورقيًّا في الخلق، وتهذيبًا في التعامل، كأنها خُلقت لتكون بلسمًا لجراحنا الصغيرة.


كانت صغيرة في العمر، عظيمة في الروح.

أحببناها من أول نظرة، واحتضنتنا بقلبها كما لو كنا أولادها.

علّمتنا، واعتنت بنظافتنا، وحرصت على أناقتنا، وكانت تقول لي: “امشِ مستقيمًا، لا تقترب من السيارات، كن حذرًا يا صغيري.”


ما شعرنا يومًا أنها غريبة، بل كانت منّا وفينا…

وحين اختطف الموت والدي، وكانت حاملاً، خاف أهلها عليها، فأعادوها إلى مكة. وهناك…

وضعت أختنا عزيزة، وربّتها في ظل الرحمة والحب، ولم تنقطع عنا لحظة.


تزوجت لاحقًا من الشيخ سعيد بن عوض، وأنجبت يوسف وثلاث فتيات، لكنها أُصيبت بمرض عضال، ورحلت في صمت…


لكن خالتي رقية، لم ترحل من ذاكرتنا، ولا من وجداننا.

إنها من أولئك الذين ينسجون لك الحب دون شروط، ويصنعون من الحضور حكاية لا تنطفئ.


خالتي رقية…

كنتِ نخلةً في أرض دار عوضة، في ظلّك كبرنا، ومن طيبك نهلنا.

رحمكِ الله رحمةً واسعة، وأسكنكِ فسيح جناته.

ستبقين فينا، نبراسًا لا ينطفئ، وذكرى تحنو علينا كلما ضاقت الدنيا.